مورسيا.. «بستان أوروبا» الساحر

إعداد: هشام مدخنة

قد تكون إسبانيا الوجهة الثانية الأكثر شعبية في أوروبا، بعد فرنسا، مع استضافة 85 مليون زائر العام الماضي، ورغم ذلك، ينسى كثيرون أنها دولة كبيرة إلى حد ما، تملك الكثير من وجهات الجذب السياحي غير التقليدية، فبصرف النظر عن مدى جمال الثنائي الشهير مدينتي مدريد وبرشلونة، أو مدى روعة جزر البليار، هناك أقاليم بأكملها تنتظر الاكتشاف خارج المناطق السياحية النموذجية لبلاد الأندلس، ومنها مورسيا، المليئة بالكنوز الثقافية على مر القرون، والتي سرقت كل الاهتمام في الآونة الأخيرة، حيث زارها 1.7 مليون سائح، عام 2023، لتكون بذلك الوجهة الأسرع نمواً في إسبانيا، بعد أن كانت لا تحظى بالتقدير الكافي.

وبالنظر إلى أن المدينة، أو الإقليم، تقع جنوب البلاد وتحدها شواطئ المتوسط الساحرة، وحقيقة أنها واحدة من أكثر المناطق دفئاً في أوروبا بأكملها، فمن المتوقع أن تزداد شعبيتها كثيراً مع مرور الوقت.

حصن كاستيليتو الساحلي في قرطاجنة

قرطاجنة القلب الثقافي

تأسست قبل ألفين ومئتين وعشرين عاماً، وهي مدينة ساحلية أسطورية تمتد جنوب شرق مورسيا على المتوسط، وبالتالي كانت ميناءً بحرياً مهماً حتى العصر الحديث، تتميز قرطاجنة بثروتها من الآثار القوطية والباروكية والمباني القديمة. نتحدث هنا عن مسرح تاريخي سبق ميلاد المسيح، وفيلات رومانية فيها فسيفساء محفوظة جيداً، وجدار دفاعي يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد، بالإضافة إلى مبانٍ على طراز فن الـ«آرت نوفو».

المسرح الروماني القديم داخل قرطاجنة

ومن بين المدن المورسية المهمة الأخرى، التي لا يرغب السائحون في تفويتها، لوركا، المشهورة بتراثها من العصور الوسطى، ومازارون، الواقعة على خليج ذي مناظر خلابة يتكشف على طول مياه البحر اللازوردية، وكارافاكا دي لا كروز، التي تهيمن عليها قلعة تعتلي قمة التل، بالإضافة إلى منطقة كابو دي بالوس الساحلية الهادئة.

الطبيعة والتاريخ

تُعرف مورسيا باسم «مدينة الحدائق» بفضل متنزهاتها الرائعة، ويُعد متنزه «سييرا إسبونيا» الإقليمي وحديقة «الماليكون» بعضاً من الأماكن الخضراء الرائعة والمساحات المثالية، للتنزه والاسترخاء والتمتع بالطبيعة. بالإضافة إلى ذلك، إذا زرتها خلال فصل الربيع، يمكنك الاستمتاع بزهور اللوز المبهجة، والتي تصبغ الطبيعة كلها باللون الأبيض والوردي.

وبالحديث عن التاريخ، لا بد من زيارة المتحف الوطني الذي يقع في قلب المدينة، ويعد أحد أجمل الأماكن للزيارة في مورسيا، كما يحتفظ بقطع أثرية من العهد الروماني والمغربي، وتجد قطعاً أخرى تعود إلى العصر البرونزي والحديدي، ناهيك عن العديد من الكنوز التي يمكن اكتشافها في جميع أنحاء الإقليم، مع ما لا يقل عن 2000 موقع أثري.

شاطئ المتوسط

تمتاز مورسيا بدفء طقسها، بفضل موقعها الجغرافي الفريد والقريب من المناطق الاستوائية والبر الرئيسي الإفريقي أكثر من معظم أنحاء أوروبا. وهذا يعني أن شواطئها تمثل عامل جذب كبيراً أيضاً، مع رمال ذهبية ناعمة ومياه صافية على طول ساحل كوستا كاليدا، وشاطئ كالا كورتينا وغيرهما.

شاطئ كالا كورتينا مورسيا

لذلك، إذا كنت تخطط للإقامة في مورسيا لبضعة أيام وترغب في القيام بأنشطة ممتعة، فإن رحلة نهارية إلى الشاطئ هي الأمثل لك، وبالفعل سيجد محبو الإبحار والتجديف بالكاياك والرياضات المائية الأخرى مبتغاهم في المدينة، التي تفخر أيضاً بكونها واحدة من أفضل مواقع الغوص في أوروبا.

ميسورة التكلفة

نظراً لأن مورسيا لا تتمتع بكثافة سياحية مثل برشلونة أو مدريد، فإنها غير مكلفة نسبياً، وأسعار الإقامة فيها تناسب جميع الميزانيات، لا سيما بالمقارنة مع المناطق السياحية الأخرى الشهيرة في الساحل الشرقي، لذلك فإن تناول الطعام في الخارج، أو المبيت في أكثر المناطق والمنتجعات رقياً، لن يتعب محفظتك كثيراً.

فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة الإقامة في فندق وسبا «Poseidon La Manga» الواقع في منطقة منتجع لا مانغا 67 دولاراً فقط في الليلة الواحدة في شهر مايو/ أيار، وفي أجيلاس، وهو منتجع ساحلي غير رسمي ومُطل بالقرب من الحدود الإقليمية مع ألميريا، لن تكلفك الفنادق من فئة ثلاث نجوم، مع وجبة الإفطار سوى 54 دولاراً في الليلة، في حين أن الإقامة لمدة ثلاث ليال في أحد فنادق قرطاجنة النابضة بالحياة نحو 208 دولارات فقط للشخص.

ويمكنك تناول وجبة طعام مع مشروب غازي بـ13 دولاراً، في حين تبلغ تكلفة وجبة العشاء الأكثر تفصيلاً لشخصين في مطعم متوسط التكلفة أقل من 50 دولاراً.

وبخصوص رحلات الطيران إلى مورسيا، تتميز بأسعار خيالية، تبدأ من 17 دولاراً فقط للاتجاه الواحد من داخل أوروبا، وعلى عكس مدن إسبانيا الكبرى، لا تستضيف مورسيا رحلات جوية عبر المحيط الأطلسي، وهذا يعني أنه بمجرد وصولك إلى القارة العجوز، سيكون من السهل نسبياً العثور على رحلات طيران رخيصة إليها.

بستان أوروبا

يمكنك عند زيارة مورسيا استئجار سيارة والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الساحرة، ومشاهدة القرى الصغيرة الخلابة والمنحدرات الصخرية. أو يمكنك استخدام الدراجة واستكشاف العديد من المسارات المخصصة على أطراف بساتين الليمون الخصبة والنهر الفيروزي المتلألئ.

ولكون المنطقة تُعرف باسم «بستان أوروبا»، على اعتبار أنه يُزرع فيها مجموعة متنوعة من الفواكه والخضروات، ليس فقط للسوق المحلي، ولكن أيضاً للتصدير إلى بقية أنحاء القارة، فستجد الكثير من الأشجار الظليلة، لتستريح على طول الطريق. لذا لا عجب أن تحظى مورسيا بشعبية بين راكبي الدراجات، من المبتدئين إلى ذوي الخبرة.

ولمحبي التسوق، عليهم التوجه إلى قلب المدينة للحصول على خيارات ممتازة، من خلال التجول في الحي القديم والاستمتاع بعروض تسوق متعددة، بدءاً من متاجر المصممين الفاخرة مروراً بالفنون التقليدية والحرف المحلية اليدوية.

مجلس المدينة
Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2024-04-13T18:02:46Z dg43tfdfdgfd